لم يستطع مؤتمر الأطراف الـ22 الذي عُقد في مراكش بين 7 و18 الحالي بمشاركة أكثر من عشرين ألف مشارك من وفود رسمية وإعلامية وأكاديميين وقطاع خاص ومجتمع مدني... أن يخرج من إطار التمنّيات وتوجيه نداء شبيه بنداءات ما قبل العام 1992 تاريخ إبرام الاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ في مؤتمر الريو الدولي الشبيه! وكأن زمناً طويلاً لم يمرّ وآلاف التقارير لم تصدر (منذ ذاك التاريخ وما قبله) محذّرة من الانبعاثات العالمية الناجمة عن النظام الحضاري المنتصر والمسيطر، القائم على تمجيد قوة المال والسلاح وحبّ السيطرة والتوسّع والاستغلال والتنمية وزيادة الإنتاج والاستهلاك والتنافس على أي شيء وعلى كل شيء...

هذا المؤتمر الذي لم يخرج عن الأدبيات المعتمدة في المؤتمرات الدولية الشبيهة التي ترعاها الأمم المتحدة، في «التمنّي» على الدول باتخاذ الإجراءات المطلوبة بعد التعبير عن «القلق» من تدهور المناخ والدعوة إلى «التضامن» أكثر والالتزام السياسي باتفاق باريس الأخير الذي لم يحصل حوله شبه إجماع دولي ومسارعة معظم الدول الى تصديقه، إلا لأنه لا يلزم أحداً بشيء ولا يقدّم ولا يؤخر بسير الأنظمة المسيطرة المسببة بالمشكلة.

مَن يسدّد الديون البيئية؟

وكالعادة أيضاً لم يخرج مؤتمر مراكش عن تلك الأدبيات المملة التي تبحث في التخفيف من الانبعاثات من دون التطرق الى السياسات الاقتصادية المسببة والبحث في التكييف والتمويل من دون أن تحدّد المسؤوليات بشكل عادل. مع العلم أن الاقتصاد العالمي القائم على «المنافسة» لا يمكن أن يحل قضية كتغيّر المناخ تتطلب «التعاون»، وأن هذا الأخير لا يمكن أن يتحقق إلا على أسس عادلة، لم تنجح أية مفاوضات حتى الآن في إرسائها.

وللأسف مرة بعد أخرى، لا تطرح مؤتمرات المناخ الدولية أسس المشكلة وجوهرها، لاسيما مسألة وجود حقوق في هذا الفضاء البيئي العالمي، حين استباحت البلدان الصناعية التي يُقال عنها «متقدّمة»، هذا الفضاء بدون رقابة أو محاسبة دولية، وأرسلت انبعاثات ضخمة وخطيرة من الغازات المسببة للاحتباس الحراري أكثر بكثير مما تحتمله الأرض وغلافها الجوي واستنفدت الرأسمال الطبيعي للكوكب في سرعة قياسية، وركبت هذا الدين البيئي المناخي الشمالي الذي يتجاوز بأضعاف الديون المالية التقليدية للجنوب... وبالرغم من كل ذلك، لا تزال مصرّة على تعميم نموذجها الحضاري على أي بقعة من العالم واستغلال كل الموارد الممكنة لتلبية حاجات هذا النموذج الشره التي تطلق عليه أسماء مختلفة مثل التنمية والتقدم والرفاهية... وقد فشلت كل مؤتمرات المناخ الدولية، مثل مراكش الأخير، في وضع هذه المفاهيم وغيرها، بمجرد طرحها على طاولة المفاوضات، بالإضافة الى الكشف عن السياسات الحقيقية للدول في القطاعات الأكثر تأثيراً على تدهور المناخ مثل إنتاج الطاقة وقطاع النقل والتصنيع وإدارة النفايات والتنوع البيولوجي عامة... وقد تركت هذه المهمة للدول نفسها (بحسب اتفاقية باريس) بشكل غير ملزم وغير ممنهج كفاية بأن تقول ما هي مساهمتها، «المساهمة المحددة وطنياً»، في التخفيف من انبعاثاتها!

الاتفاقيات والحلول المضللة

انطلاقاً من ذلك، ودون سقف تغيير الأنظمة الاقتصادية والسياسية المسبّبة بهذه المشكلة الكونية الأخطر في العالم، تصبح كل تسوية او اتفاقية دولية او نداء او مقولات مثل «التخفيف والتكيّف» و «تسعير الكربون» و «نقل التكنولوجيا والتوسّع في استخدام الطاقات المتجددة» و «التمويل» وتأمين 100 مليار دولار أميركي حتى حدود العام 2020 ... في مؤتمرات المناخ الدولية بمثابة حلول كاذبة ومضلّلة. فقد فشلت «آلية التنمية النظيفة» التي انطلقت من مؤتمرات سابقة، كما فشلت «تجارة الكربون» التي طرحت في بروتوكول كيوتو في الحد من الانبعاثات.

وقد تبين بعد طروحات تسعير وبيع الكربون أنها لم تكن الا طروحات مخادعة ومضللة للشركات الكبيرة للتهرب من الحلول الحقيقية والتغييرات الهيكلية في كل شيء، كما تتطلّب قضية تغير المناخ. كما تأكد سنة بعد أخرى، أن آليات السوق لن تقلل من الانبعاثات العالمية، وها هي طروحات «الاقتصاد الأخضر» التي أطلقت فكرتها منذ العام 2008 والتي لم تستطع أن تخرج عن قواعد السوق إياها، قد فشلت أيضاً في الحد من الانبعاثات، لكونها هي أيضاً لم تقلل من اتجاه تسليع الطبيعة وخصخصتها وتدميرها بشكل أو بآخر.

وكذلك الأمر بالنسبة إلى برامج الحد من الانبعاثات الناجمة عن إزالة الغابات وتدهورها التي أطلقت منذ ما يتجاوز العشرين سنة ولا تزال تكرّر حتى اليوم، لم تنجح في توقيف مافيا واحدة حول العالم تستنزف الغابات وتتاجر بشكل غير مشروع بالأخشاب حول العالم. كما لم تنجح أية فكرة أو اتفاقية دولية في تغيير «النهج الاستخراجي» غير العادل وغير المستدام، المشكو منه في كل القطاعات من معادن ووقود أحفوري وغابات وصيد أسماك... الذي جعل العديد من الموارد المتجدّدة، غير قابلة للتجدّد، وراكم انبعاثات ضخمة من الغازات في الغلاف الجوي، لها آثار بعيدة المدى على كل المستويات وستتسبّب بكوارث مناخية، لا يستطيع أحد من خبراء المناخ ولا من شركات التأمين تقدير حجم أضرارها وكلفتها.

المصدر الأصلي

Themes
• Access to natural resources
• Advocacy
• Agriculture
• Basic services
• Climate change
• Energy
• Environment (Sustainable)
• Farmers/Peasants
• Human rights
• Indigenous peoples
• International
• Low income
• Pastoralists
• Regional
• Tribal peoples
• Water&sanitation