على مدار الثلاثين عامًا الماضية، برزت مجموعة كبيرة من الأعراف والفقه القضائي على المستوى الدولي بشأن الحق في الجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي جنبًا إلى جنب مع برامج جبر الضرر الدولية والمحلية من أجل تحقيق الانتصاف بالنسبة للضحايا. على الرغم من هذه التطورات، تظل هناك فجوة كبيرة في التنفيذ وتأخير زمني بين وقوع الانتهاكات وحدوث الانتصاف مما يفاقم من سوء الأوضاع بالنسبة للضحايا ويؤثر على جودة حياتهم ويترك المجتمعات المحلية المتضررة في حالة هشة وضعيفة. وبالاستفادة من شبكات الخبرات والبحوث التجريبية في عدد من الدول، تهدف هذه المبادئ التوجيهية إلى تحديد أساليب الممارسة الجيدة من أجل توفير المعلومات للضحايا والجهات الفاعلة المسؤولة ومنظمات المجتمع المدني والجهات المانحة وصانعي السياسات والمديرين بشأن كيفية إعمال برامج جبر الضرر وتحقيقها على أرض الواقع. الهدف هو التخلص من التعقيدات التي تنطوي عليها ترجمة التزامات حقوق الإنسان بشأن عمليات جبر الضرر إلى ممارسات والتأكيد على المبادئ الهامة للاسترشاد بها أثناء تحقيق الانتصاف.
لا تُنفَّذ عمليات جبر الضرر وبرامجه عادةً بسبب عدم وجود إرادة سياسية أو تهميش الضحايا سياسيًا واقتصاديًا أو استمرار انعدام الأمن أو تفشي انتهاكات حقوق الإنسان. وفي بعض الحالات التي تكون فيها برامج جبر الضرر قد تم إنشاؤها، غالبًا ما تفتقر السلطات للوسائل المالية والقدرة التقنية اللازمة لتنفيذ هذه البرامج على نحو فعال. وعلاوة على هذا، من الممكن أن تسيء الحكومات استخدام برامج جبر الضرر لتلافي قيام الضحايا برفع المزيد من الدعاوى القانونية أمام المحاكم الوطنية أو هيئات حقوق الإنسان الإقليمية أو الدولية أو لكي يستفيد الموالون للدولة أو من حاربوا لصالحها. وأحيانًا يحدث خلط بين برامج جبر الضرر والبرامج الإنمائية مما يقلِّص من حق الضحايا في الانتصاف والتدابير الملائمة. يمكن أيضًا أن تعاني أطقم العمل والممارسات الثقافية داخل المؤسسات ضمن نطاق برامج جبر الضرر من التحيز أو التمييز مما يؤدي إلى إيذاء من تُعرَض عليهم هذه البرامج مرة ثانية وزيادة تهميشهم.
وفي حين تُثار مسألة التكلفة المالية الخاصة ببرامج جبر الضرر غالبًا لتفسير سبب عدم إنشاء أحد البرامج أو تنفيذه، من الممكن أن يكون هذا لإخفاء مقاومة الحكومة لفكرة التعاطي مع الماضي أو احتمالية كون هذه البرامج تمثل فائدة هزيلة بالنسبة للمبالغ المدفوعة في إنفاق ميزانية الدولة. الالتزام بضمان حصول الضحايا على سبل انتصاف كافية وفعالة وعاجلة مرهون بمبدأ التناسب، حيث ينبغي أن يتم الانتصاف لهذه الانتهاكات “لأقصى حد ممكن” بطريقة تعالج على النحو الواجب الأذى الذي لحق بالضحايا. لا تستطيع عمليات جبر الضرر محو الأذى والأضرار التي نتجت عن الانتهاكات الناشئة من النزاع المسلح كأنها لم تكن، لكن الموارد المالية ضرورية من أجل علاج بعض الآثار المستمرة على النحو الواجب وتمكين الضحايا من عيش حياة كريمة. تنطوي عمليات جبر الضرر بالفعل على التزام مالي كبير، لكن يمكن تقسيمه على ميزانيات عدة سنوات أو توفير الدعم له بواسطة الجهات المانحة أو استخدام مجموعة من أدوات التمويل المبتكرة لتغطية جزء من التكاليف مثل إعادة توظيف بعض الأصول المحجوزة التي تخص مرتكبي الانتهاكات أو إلغاء الديون المالية أو توفير الدعم المالي الدولي نظير تقديم التزامات بدعم الضحايا وتحقيق أهداف أخرى تتعلق بإتاحة وصولهم لسبل العدالة وإدماجهم والتخفيف من حدة الفقر الذي يعانون منه. يمكن أن يرى المجتمع منفعة تعود عليه من استثماره ماليًا في عمليات جبر الضرر من خلال التأكد من أن من تدهورت أحوالهم بفعل النزاع المسلح قادرون على إعادة بناء حيواتهم، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على خفض التوترات وتقليل احتمالات تكرار أحداث العنف مرة أخرى. ومن هذا المنطلق، يمكن أن تساهم عمليات جبر الضرر الفعالة في تقوية سيادة القانون والانتقال نحو مجتمعات أكثر عدلًا.
هذه المبادئ التوجيهية مصممة لمشاركة الممارسات الجيدة مع الجهات الفاعلة التابعة للدولة وغير التابعة لها بشأن تنفيذ عمليات جبر الضرر الفعالة في المجتمعات التي تمر بمرحلة ما بعد النزاع بهدف التغلب على التحديات الشائعة التي حددتها البحوث والأعمال الميدانية الشاملة التي تم إجراؤها في عدد من المجتمعات المحلية التي تضررت بفعل النزاع المسلح. تستند المبادئ التوجيهية على مقابلات أُجرِيَت مع أكثر من 250 شخص عبر سبع دول هي: كولومبيا، وغواتيمالا، ونيبال، وأيرلندا الشمالية، وبيرو، وجنوب السودان وأوغندا. ويشمل من راسلناهم الضحايا والمقاتلين السابقين والمسؤولين الحكوميين وصانعي السياسات والجهات الفاعلة في المجتمع المدني والخبراء والجهات المانحة. وعقدت ثلاث ورشات عمل في بوغوتا وجنيف ونيويورك جنبًا إلى جنب مع اجتماع المائدة المستديرة للخبراء من أجل استنباط أفضل الممارسات والدروس المستفادة. تعكس هذه المبادئ التوجيهية النتائج التي تم التوصل إليها من خلال مشروع مدته خمس سنوات يدعى “جبر الضرر والمسؤولية ووضع الضحايا في المجتمعات التي تمر بمرحلة انتقالية” والذي موَّله مجلس بحوث الآداب والعلوم الإنسانية بالمملكة المتحدة.
تعترف هذه المبادئ التوجيهية بالأسس التالية وتبني عليها وتكمِّلها: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والصكوك الدولية الرئيسية لحقوق الإنسان ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية واتفاقية الأمم المتحدة لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري واتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو المهينة والاتفاقية بشأن حقوق الطفل والاتفاقية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والمجموعة المستوفاة من المبادئ لأجل حماية وتعزيز حقوق الإنسان عن طريق مكافحة الإفلات من العقاب ومبادئ الأمم المتحدة العامة ومبادئها التوجيهية بشأن حق ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الصارخة للقانون الإنساني الدولي في الانتصاف وعمليات جبر الضرر ومذكرة الأمين العام للأمم المتحدة بشأن التعويضات عن العنف الجنسي المتصل بالنزاعات وإعلان رابطة القانون الدولي الخاصة بمبادئ عمليات جبر الضرر لضحايا النزاعات المسلحة بالإضافة إلى الصكوك الإقليمية ذات الصلة المتعلقة بحقوق الإنسان.
يجب أن تُقرَأ هذه المبادئ التوجيهية المتعلقة بعمليات جبر الضرر في الأحوال التي تمر فيها المجتمعات بمرحلة ما بعد النزاع على ضوء مبادئ الأمم المتحدة الأساسية ومبادئها التوجيهية لعام 2005 بشأن الحق في الانتصاف والتعويضات وأن تتسق مع القانون الدولي لحقوق الإنسان وتُطبَّق بدون تمييز.
ثيمات |
• أطر العمل القانونية • الإخلاء القسري • اللاجئين • النازحين • النزاع المسلح/ العرقي • جبر الضرر/ استعادة الحقوق • حقوق الإنسان • دولي • منظومة الأمم المتحدة |