الأسبوع الماضي، اخترق مقاتلون بقيادة "حماس" الحدود إلى إسرائيل وذبحوا مدنيين إسرائيليين، مما أسفر عن مقتل المئات واحتجاز العشرات كرهائن، بما في ذلك الأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة وكبار السن. نصب المسلحون كمينا لرواد حفل موسيقي، وأطلقوا النار على العائلات وأضرموا النار في المنازل. أطلقت حماس وغيرها من الجماعات المسلحة في غزة آلاف الصواريخ بشكل عشوائي على البلدات الإسرائيلية، مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى. ارتكبت حماس العديد من جرائم الحرب، بما في ذلك احتجاز الرهائن.

لكن جرائم الحرب التي يرتكبها أحد الطرفين لا تبرر جرائم الحرب التي يرتكبها الطرف الآخر. يوم الجمعة، أمر الجيش الإسرائيلي أكثر من مليون شخص – أي نصف السكان – بمغادرة شمال غزة خلال 24 ساعة، قبل عملية برية عسكرية وشيكة. رغم انقضاء الموعد النهائي الأولي، إلا أن أمر الإخلاء يثير مخاوف قانونية وإنسانية خطيرة – ومخاوف على سلامة المدنيين.

ردا على الهجمات التي تقودها حماس، شنت السلطات الإسرائيلية غارات جوية واسعة النطاق على الأحياء المكتظة بالسكان في غزة، مما أسفر عن مقتل أكثر من 2,400 شخص. قالت وزارة الصحة في غزة يوم السبت إن أكثر من 700 من القتلى هم من الأطفال. قطعت إسرائيل إمدادات الغذاء والوقود والكهرباء عن غزة ومنعت دخول المساعدات. كما ذكرت الأمم المتحدة، فإن مثل هذه التدابير ترقى إلى شكل من أشكال العقاب الجماعي، وهي جريمة حرب تحظرها "اتفاقية جنيف الرابعة".

بينما تقول القوات الإسرائيلية إن غاراتها الجوية تستهدف قواعد حماس، فإن إسقاط أسلحة متفجرة على مناطق مكتظة بالسكان يسبب ضررا كبيرا متوقعا للمدنيين ويزيد من خطر الهجمات العشوائية غير القانونية. يعيش أكثر من 2.2 مليون شخص في قطاع غزة، في مساحة تعادل مساحة فيلادلفيا تقريبا. يشكل الأطفال ما يقرب من نصف السكان. أغلِقت المنطقة في الغالب أمام العالم الخارجي بواسطة الأسوار والجدران والبحرية الإسرائيلية التي تقوم بدوريات في مياه غزة.

إذا لم يكن إجلاء أكثر من مليون شخص في منطقة مكتظة بالسكان أمرا صعبا بما فيه الكفاية، فإن معابر قطاع غزة مع مصر وإسرائيل مغلقة، لذا فإن الانتقال إلى منازل الأقارب والأصدقاء المكتظة في جنوب غزة هو الخيار الوحيد حاليا. الطرق مليئة بالركام. الوقود نادر، وبالنسبة للعديد من كبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة والمرضى في المستشفيات، فإن الإخلاء مستحيل.

فرّ ما لا يقل عن عشرات الآلاف من الأشخاص من شمال غزة، مستخدمين الطرق التي حددها الجيش الإسرائيلي، لكن الغارات الجوية والصواريخ استمرت دون توقف. قُتل 70 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال، أثناء الإخلاء، وفقا لوزارة الصحة الفلسطينية. يكافح العاملون في "مستشفى الشفاء" وهو المستشفى الرئيسي في غزة من أجل علاج الجزء الأكبر من الجرحى الفلسطينيين الذين يزيد عددهم عن تسعة آلاف جريح حتى الآن، كما أن إجلاء مرضى المستشفى ليس خيارا.

يحدد القانون الدولي الإنساني، أو قوانين الحرب، الالتزامات التي تدين بها أطراف النزاع تجاه المدنيين، بغضّ النظر عما يفعله الطرف الآخر. استهداف المقاتلين بقيادة حماس للمدنيين لا يسمح للجيش الإسرائيلي باستهداف المدنيين أو الاستهانة بالتزاماته بحمايتهم.

يثير أمر الإخلاء ثلاثة مخاوف على الأقل بموجب القانون الدولي الإنساني.

أولا، ينبغي لأطراف النزاع إصدار تحذيرات جدية للمدنيين، حيث يمكن لهذه التحذيرات أن تساعدهم على تجنب الأذى. لكن أمر المدنيين بالإخلاء، عندما لا يكون هناك مكان آمن للذهاب إليه ولا توجد وسيلة للوصول إلى هناك بأمان، لا يكفي ولا يحميهم فعليا. أما المدنيون الذين يبقون في أماكنهم بعد التحذير بالإخلاء – بما في ذلك أولئك الذين يخشون الرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى الجنوب والظروف التي سيجدونها هناك – لا يفقدون الحماية التي يوفرها القانون الدولي الإنساني. بغضّ النظر عن الخيارات المستحيلة التي تتخذها العائلات في غزة، فإن الجيش الإسرائيلي ملزم بعدم استهداف المدنيين أو البنية التحتية المدنية مطلقا، واتخاذ جميع التدابير لتقليل الضرر الذي يلحق بالمدنيين والمرافق المدنية مثل المنازل والمدارس والمستشفيات.

ثانيا، تحظر قوانين الحرب "أعمال العنف أو التهديد به الرامية أساسا إلى بث الذعر بين السكان المدنيين". تُحظر دعوات الإخلاء التي لا تشكل تحذيرات حقيقية، بل تهدف في المقام الأول إلى إثارة الذعر بين السكان، أو إجبارهم على مغادرة منازلهم لأسباب أخرى غير سلامتهم. يثير أمر الحكومة الإسرائيلية الشامل هذا واستحالة الامتثال الآمن له مخاوف من أن الغرض منه ليس حماية المدنيين، بل ترهيبهم ودفعهم إلى مغادرة منازلهم. تصريح المتحدث باسم قوات الدفاع الإسرائيلية بأن أولئك الذين أخلوا شمال غزة "تصرفوا بذكاء" يزيد من المخاوف بشأن الطريقة التي ستتعامل بها القوات الإسرائيلية مع المدنيين الذين سيبقون في أماكنهم.

ثالثا، يهدد أمر الإخلاء هذا بالتهجير القسري، وهو ما يعد جريمة حرب. حوالي 70% من سكان غزة هم من اللاجئين الذين فروا من منازلهم فيما يعرف الآن بإسرائيل عام 1948، وأحفادهم. يتذكر العديد من كبار السن في شمال غزة جيدا فرارهم من الجيش الإسرائيلي قبل 75 عاما – ورفض إسرائيل في وقت لاحق السماح لهم بالعودة. تؤدي تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تدعو سكان غزة إلى اللجوء إلى مصر إلى تفاقم مخاوف العديد من اللاجئين الفلسطينيين في غزة من أنهم سيفقدون منازلهم مرة أخرى.

قال أنطونيو غوتيريش، الأمين العام لـ"الأمم المتحدة"، إن إصدار أوامر لمئات الآلاف من الأشخاص بالإخلاء في غضون مهلة قصيرة، عندما لا يكون هناك مكان آمن للذهاب إليه، سيكون له عواقب إنسانية مدمرة. وتوافقه المنظمات الدولية والإنسانية الرأي.

على الحكومة الأمريكية، التي تقدم مساعدات عسكرية سنوية بقيمة 3.8 مليار دولار لإسرائيل، أن تصر بشكل عاجل على أن تلغي الحكومة الإسرائيلية أوامر الإخلاء، وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتفي بالتزاماتها الأخرى لحماية المدنيين، بما في ذلك أولئك الذين بقوا في شمال غزة. بغضّ النظر عما فعلته حماس، ليس هناك أي مبرر لتجريد المدنيين في غزة من الحماية التي توفرها قوانين الحرب.

المصدر الأصلي

ثيمات
• الإخلاء القسري
• التشريد
• الحوادث
• القواعد والمعايير
• النازحين
• تدمير الموئل
• حقوق الإنسان
• حملة تضامنية
• شعوب تحت الاحتلال